الجمهورية
2001/1/2
لا يوجد واحد ممن اشتركوا فى ثورة يوليو 1952 يجحد فضل المرحوم القائمقام يوسف صديق فى نجاح ثورة يوليو 1952 أو ينكر أنه كان أول من أطلق شرارتها وأكثر من حافظوا على مبادئها التى قامت عليها.
لقد اتفق على ذلك كل من كتبوا عن الثورة وكل من نشروا مذكراتهم عنها وعلى رأسهم خالد محيى الدين الذى لا يشك أحد فى أنه من كبار ضباط الثورة الذى أثبت أنه لولا القائمقام يوسف صديق لما قدر لهذه الثورة النجاح.
ومع ذلك فمن غرائب تاريخ بلدنا وتاريخ هذه الثورة أنه لا يوجد تمثال ليوسف صديق بين تماثيل زملائه أعضاء مجلس قيادة الثورة فى القاعة المخصصة لذلك فى المتحف الحربى للقلعة بل من أكبر الغرائب أنه لا يوجد فى مستندات ووثائق ثورة يوليو ما يثبت أن يوسف صديق كان عضواً فى مجلس قيادة الثورة أو أنه كان من الضباط الأحرار أصلاً هذا الكلام لم يصدر عن عدو ليوسف صديق أو جهة كانت تخاصمة وأنما صدر عن هيئة قضايا الدولة وهى هيئة محايدة للضرورة ولا مصلحة لها فى غمط حق يوسف صديق فعندما رفعت أسرة يوسف صديق دعوى على الحكومة بإلزامها بإقامة تمثال ليوسف صديق ضمن تماثيل زملاءه الضباط فى القاعة المخصصة لذلك فى المتحف الحربى للقلعة وأصدرت محكمة القضاء الإدارى حكمها بإلزام الحكومة بإقامة هذا التمثال سارعت هيئة قضايا الدولة بالطعن فى هذا الحكم والمطالبة بوقف تنفيذه وإقامة مستنده إلى "ما ثبت لها" من واقع الإدلة والمستندات من أن يوسف صديق لم يكن قط عضواً بمجلس قيادة الثورة بل أنه لم يكن من الضباط الأحرار أصلاً.
بل من الغريب أن الهيئة أمنت هذا الطعن بأن ذكرت أنه حتى ولو كان يوسف صديق عضواً فى مجلس قيادة الثورة وبتنظيم الضباط الأحرار فإن من حق الدولة أن تلغى عنه هذه الصفات! ويعتبر ذلك من جانبها عملاً من أعمال السيادة التى يمتنع على مجلس الدولة أن يراجعها فيها.
على هذا النحو قضت هيئة قضايا الحكومة نائبة عن الحكومة بإلغاء تاريخ يوسف صديق ومسح بدوره فى الأشتراك فى الثورة وثورة يوليو وفضله على الثورة - الذى لولاه لما نجحت الثورة بأستيكةّ وقضت على المؤرخين الذين يكتبون ثورة يوليو أن يغمضوا أعينهم عن دور يوسف صديق فى ثورة يوليو وفى نجاحها حيث لا يوجد ما يثبت ذلك من واقع الأدلة والمستندات بل أنه حتى لو ثبتت له هذه الصفات فمن حق الدولة أن تلغيها.
ألسنا نواجه فى هذه القضية أغرب ما يمكن للعقل أن يتصوره وهو التناقض بين الأوراق والواقع الفعلى وألسنا نجد أنفسنا أمام قضية من مثل "أن الشمس لا تشرق من الشرق فإنه من حق الدولة إلغاء هذه الصفة عن الشمس؟
وهل يمكن لهذا الطعن أن يسح بالفعل من تاريخ مصر وتاريخ ثورة يوليو دور يوسف صديق فى الثورة على الرغم من شهادات ضباط الثورة أنفسهم بدوره فيها بل على الرغم من الواقائع التاريخية الثابتة والتى لا يمكن الطعن فيها من أنه كان أول من أطلق شرارتها وأول من تقدم التحرك مبكرا قبل الجميع وأقتحم مقر قيادة الجيش فى كوبرى القبة وألقى القبض على قيادات الجيش مجتمعة فيه؟
يقول خالد محيى الدين فى مذكراته المنشورة تحت عنوان "والآن أتكلم" عن دور يوسف صديق "كانت طلائع الكتيبة الأولى مدافع ماكينة قد وصلت من العريش إلى الهايسكب تحت قيادة القائمقام يوسف صديق (البكباشى فى ذلك الوقت) وهذه الكتيبة تتميز بأنها تمتلك قوة نيران كبيرة فقد كان لديها 48 مدفعاً رشاشاً فى كفاءة عالية يطلق حوالى ألف طلقة فى الدقيقة.
وفى الاجتماع أحضر جمال عبد الناصر يوسف صديق يريد أن يطمئن على وجود قوات كافية فقد كان لدى ضباط المشاة شكوك فى أن ضباط الفرسان المتهمين بمظرهم يمكن أن يتحركوا فى عمل ثورة كهذا!
فى ذلك الحين كان هناك سباق بين قوات القصر وقوات الثورة ولو أننا تأخرنا نصف ساعة أو أقل لكانوا قد سبقونا! ولكن الفضل كان للقائمقام يوسف صديق الذى تحرك قبل الموعد الذى أتفقنا عليه بساعة بعد أن ألقى خطاباً نارياً فى كتيبته مؤكداً لهم أنهم سيفخرون بما ينجزونه فى تلك الليلة وتحرك الطابور الذى كان فى مقدمته سيارة جيب بها القائمقام يوسف صديق فقام بأعتقال كل من اللواء عبد الرحمن مكى قائد فرقة المشاة الثانية والأميرالاى عبد الرؤوف عابدين وتوقف فى الطريق إلى كوبرى القبة لاستطلاع الموقف وهناك ارتاب جنوده فى كل من عبد الناصر وعبد الحكيم عامر وألقوا القبض عليهما!!.
د.عبد العظيم رمضان
===================
2001/1/3
هل يمكن لأى حكم قضائى الغاء التاريخ؟ هذا هو السؤال الذى أثرناه فى مقالنا السابق بمناسبة طعن هيئة قضايا الدولة فى حكم المحكة الإدارية العليا بمجلس الدولة بحق القائمقام يوسف صديق الذى كان أول من أطلق شرارة ثورة يوليو - فى إقامة تمثال له ضمن تماثيل زملائة أعضاء مجلس قيادة الثورة فى القاعة المخصصة لذلك بالمتحف الحربى بالقلعة.
وكان هذا الطعن قد استند إلى ما ثبت لهيئة قضايا الدولة من واقع الأدلة والمستندات من أن يوسف صديق لم يكن قد عضوا بمجلس قيادة الثورة بل أنه لم يكن من الضباط الأحرار أصلاً!
فقد دللنا على عدم صحة هذا الطعن بالحقائق التاريخية التى لم ينكرها أحد من ضباط الثورة من أن يوسف صديق كان هو أول من أطلق طلقة ثورة يوليو واوردنا ما شهد به خالد محيى الدين فى مذكراته المنشورة تحت عنوان "والآن أتكلم" من أن يوسف صديق كان أول من تحرك فى ليلة 23 يوليو وفى أثناء تحركه وفى الطريق الى كوبرى القبة ارتابت قواته فى كل من عبد الناصر وعبد الحكيم عامر فالقت القبض عليهما دون أن تعلم بأمرهما ولم ينقذهما الا يوسف صديق عندما ثارت ضوضاء فخرج ليسأل عما جرى فوجد امامه جمال عبد الناصر مقبوضاً عليه هو وعبد الحكيم عامر فأطلق سراحهما وعندئذ تغيرت الخطة الأصلية فقد كانت هذه الخطة تقوم على أن يحاصر يوسف صديق بقواته مبنى قيادة الجيش من الخارج دون اقتحامة ولكن بعد مبادرة يوسف صديق تقرر أقتحامه وهو ما حدث تماما فقد اقتحم يوسف صيق مقر قيادة الجيش وقام الجيش بأسر اللواء حسين فريد رئيس أركان حرب الجيش واللواء حمدى هيبة وضابط آخر كان يرفع منديلا أبيض علامة استسلام وقد أنقذ يوسف صديق بهذا العمل حركة الجيش من فشل ذريع اذ لو تأخرت حركته نصف ساعة لما أمكن اقتحام مقر قيادة الجيش وذلك أنه لم يكد ينتهى يوسف صديق من أحتلاله لمبنى قيادة الجيش حتى كانت تصل قوة عسكرية مكونة من خمسين جنديا تحت قيادة ضباط وكل منهم يحمل مائة طلقة كانت قيادة الجيش قد استدعتهم لتعزيز الحراسة على المبنى فتأخر وصولهم عدة دقائق كانت هى الفاصلة فى نجاح حركة الجيش فقد وجدت هذه القوة يوسف صديق مسيطراً على المبنى وطلب يوسف صديق من قائد القوة الانضمام إلى الثورة فأنصاع وانضم بجنوده الخمسين إلى الثورة وبهذا المعيار كما يقول خالد محيى الدين يمكن القول أن يوسف صديق قد حقق عملاً تاريخياً مهماً وأنه أسهم بشكل كبير ومباشر فى إنجاح حركتنا وقد كانت شجاعته الحاسمة والأسرة فى آن واحد عاملاً من عوامل نجاحنا.
هذا هو ما اوردته مذكرات خالد محيى الدين عن دور يوسف صديق فى إنجاح ثورة يوليو وهو دور كان يستحق إقامة تمثال له ضمن تماثيل زملائه الضباط فى القاعة المخصصة لذلك فى المتحف الحربى بالقلعة.
فإذا جاءت هيئة قضايا الحكومة لتطعن فى الحكم الذى أصدرته محكمة القضاء الإدارى بمجلس الدولة لصالح يوسف صديق فإن ذلك يعنى بكل وضوح الغاء التاريخ بحكم قضائى من هنا فإنه علينا أن نفسر لماذا استند هذا الطعن على أن يوسف صديق لم يكن قط عضواً بمجلس قيادة الثورة ولم يكن أصلاً من الضباط الأحرار!
فى الوقاع ان الثورة قد تعمدت معاقبة يوسف صديق على مواقفه المناهضة للاتجاه الديكتاتورى الذى انحرفت إليه الثورة والذى انتهى بتقديمه استقالته من مجلس قيادة الثورة فأحاطت دوره بالغموض اتبرز دور عب الناصر!
وعلى كل حال فمن حسن الحظ أن المحكمة الإدارية العليا أصدرت حكمها فى يوم 18 ديسمبر 2000 برفض الطعن المقام من الحكومة ضد الحكم الصادر من محكمة القضاء الإدارى لصالح "يوسف صديق" وبذلك أصبح الحكم مهائياً وباتا وأصبح من حق يوسف صديق إقامة تمثال له بين زملائه الضباط فى القاعة المخصصة لذلك فى المتحف الحربى والمشكلة الموجودة حالياً هى مشكلة التنفيذ وإنى على ثقة بأن حكومتنا سوف تحترم كلمة القضاء وتحترم تاريخ مصر فنرى فى القريب العاجل تنفيذ هذا الحكم.
د.عبد العظيم رمضان
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.